منذ 6 سنوات
أحدث كتاب وثائقي لمركز شرقيات للبحوث "مواقف تركيا من قضية فلسطين"
إيماناً من "مركز شرقيات
للبحوث" في "إستانبول" بالمَقوَلَتَين "لا تاريخ من دون
وثائق" و"التأريخ علم العلوم"، فقد أقدم على باكورة خطواته مع
"الدكتور صبحي ناظم توفيق" لإعداد (عشرة) كتب وثائقية إعتماداً على ما
يمتلكه من تقارير (سرية) رفعها سفراء العراق وقناصله في "تركيا" منذ
الثلاثينيات ولغاية الخمسينيات من القرن المنصرم وعُثِرَ عليها في خزائن الديوان
الملكي العراقي.
واليوم إقتطف المركز ثمرته البِكر
بكتاب وثائقي موسوم "مواقف تركيا من قضية فلسطين بعيون دبلوماسية عربية"
يسلّط ضوءاً على ما أقدَمَت عليه الحكومات التركية من خطوات لغاية إعترافها الرسمي
بحكومة "تل آبيب" عام (1949) قبل تطوير علاقاتهما الثنائية، فضلاً عن
أوضاع اليهود في "تركيا" وهجراتهم إلى الجزء اليهودي من
"فلسطين" وتحكّم الأثرياء اليهود في البنوك التركية وكبريات الشركات
والمصانع وسطوتهم على الصحافة والإعلام.
يحتضن الكتاب (98) وثيقة للفترة
(1939-1956) تغطّي مواقف الحكومات التركية حيال الأزمة الفلسطينية التي تصاعدت
بأعوام الثلاثينيات، قبل أن تنحو بإتجاه علاقات غير مُعلَنة مع الصهاينة، وبالأخص
بُعَيدَ إنتهاء الحرب العالمية الثانية سنة (1945)، ليُباشر "يهود
تركيا" هجرات خفيّة إلى "فلسطين" وتأسيس الحكومة التركية منظومة
بريدية مع الشطر اليهودي من "فلسطين" التي جُزِّئَت رسمياً منذ (1947)،
وأعقبتها بعلاقات تجارية تحت ذريعة إستمراريتها مع "فلسطين" الـمُحتلّة
منذ العشرينيات وقتما غزاها البريطانيون وإستحوذوا عليها من أيدي العثمانيين عام
(1917).
وتوضح الوثائق هول الدعاية اليهودية
بدعم صهيونيّ خلال النصف الثاني للأربعينيات، وإشراك "تركيا" -بصفتها
دولة مُسلِمة- في "لجنة التوفيق الثلاثية" مع الولايات المتحدة
الأمريكية وبريطانيا، ولكن بشخص أوفدته "تركيا" وُصِفَ كونه (إسرائيلياً
أكثر من إسرائيلي) و(يهودياً يفوق اليهود).
وفي عام (1949) تنبثق علاقات مشهودة
بين تركيا وإسرائيل قبل أن تنكشف محاولات تهريب لأسلحة متنوعة من مستودعات الجيش
التركي رغم حصانتها، ناهيك عن تهريب الذهب والماس والمعادن الثمينة من دون أن
تُعلِن السلطات التركية أياً من نتائج التحقيقات.
ويبدو من مجمل أحداث النصف الثاني من
عقد الأربعينيات -إبان عهد "عصمت إين ئونو"- أن القادة الأتراك قد
قَدَّروا الموقف السياسي وفقاً للمتغيّرات الطارئة على العالم إثر إنتهاء الحرب
العظمى الثانية (1945) في التقرّب نحو "واشنطن ولندن" بغية إرضائهما.
وهكذا تتسلسل الوثائق وتتتابع أحداثها
إلى إعتراف "الحكومة التركية" بـ"إسرائيل" يوم (28/مارس/1949)
في عهد الرئيس "إين أونو" ورئيس الوزراء "شمس الدين آلطاي"
ووزير الخارجية "نجم الدين صادق" قبل أن تتبادل "آنقرة وتل
آبيب" تمثيلاً دبلوماسياً وسط ذهول العالمَين العربي والإسلامي وإزدرائهما،
وترحيب العالمَين الغربي والشرقي وإستحسانهما.
وبذلك تعاظمت شوكة اليهود في
"تركيا" فهاجروا بالآلاف إلى "فلسطين"، ولم يَعُد منهم إلى
"تركيا" سوى بضع مئات لموجِبات خدمة "إسرائيل" وكي لا تخلو
أرض "تركيا" منهم، فتصاعدت الدعاية للصهيونية بتأثير الأموال اليهودية
على المجتمع التركي والأدوار التي أدّتها الشركات التجارية والمصانع الإسرائيلية.
ويعرض وزير العراق المفوض لدى
"آنقرة" أمام أنظار وزارة الخارجية العراقية مقترحات عديدة لمواجهة
عربية مشتركة تجاه الدعاية الصهيونية المتعاظمة في "تركيا"، ولكن من دون
أن تلقى آذاناً صاغية.
وعلى العكس من العرب فقد أفلحت
"إسرائيل" بالدعاية لصالحها في "تركيا" لإفتقار الممثليات
العربية لموظفين مهنيّين يتقنون اللغة التركية الحديثة ليؤدوا مهماتهم، تُضاف
إليهم محدودية المبالغ المرصودة للدعاية العربية، وذلك خلاف المفوضية الإسرائيلية
التي يتقن موظفوها اللغة التركية وتبذخ أموالاً طائلة للدعاية ودور
الـ"دونَمَه" ويهود "تركيا" بالدعاية لـ"إسرائيل"
مع تدنّي إلتزام المجتمع التركي للدين الإسلامي مقارنة بعهد الدولة العثمانية،
ودور "شركة الإعلانات الشرقية" اليهودية المستحوذة على عموم الصحف
والمجلات والتي غدت من أعظم وسائل الدعاية لـ"إسرائيل".
وعلى أي حال، فإن وثائق الممثليات
الدبلوماسية العراقية الـمُعتَمَدة في "تركيا" خلال (ثلاثة) عقود من
القرن المنصرم تُعتَبَر ذات فائدة قصوى لأي باحث عن أمور "تركيا" الحديثة،
كونها تضع نقاطاً لتوضيح حروف مبهَمة في مواقف الحكومات التركية نحو
"فلسطين" ولاجئيها المشرّدين، وعلاقاتها الإيجابية مع اليهود
و"إسرائيل" خلال تلك الفترة الحَرِجة.
وختاماً يرجو "مركز شرقيات
للبحوث" أن يكون بهذا الكتاب الوثائقي قد أضاف شيئاً جديداً يَفيد التأريخ
المعاصر، مع وافر التبجيل للصديق "الدكتور صبحي ناظم توفيق" لتكلّفه
بإظهار هذه الوثائق إلى الوجود.